لماذا تطلق جماهير ليفربول صافرات استهجان ضد النشيد الوطني؟

أطلق مشجعو ليفربول صافرات استهجان لحظة عزف النشيد الوطني الإنجليزي عصر اليوم الأحد، قبيل انطلاق مباراة نهائي كأس الرابطة الإنجليزية للمحترفين أمام نيوكاسل يونايتد.
ملعب ويمبلي بالعاصمة لندن كان مسرحًا لمباراة مثيرة بين الريدز والماغبايس في نهائي كأس الرابطة، عرفت انتصار نيوكاسل بنتيجة 2-1 حيث أحرز أول لقب في تاريخه على مستوى المسابقة.
في الحقيقة، لقد داوم مشجعو الريدز على إطلاق صافرات الاستهجان ضد النشيد الإنجليزي متى أتيحت لهم الفرصة، سواء في المباريات النهائية للكؤوس أو في المباريات الدولية للمنتخب الإنجليزي.
لماذا تصفر جماهير ليفربول ضد النشيد الوطني الإنجليزي؟
إن للموضوع جذوراً متشعبة، صنعت حالة عداء لا متناه بين جماهير ليفربول والسلطات الحاكمة الإنجليزية، سواء على المستوى الاجتماعي أو الثقافي أو الرياضي أو السياسي.
الأمر لم يقتصر على إطلاق صافرات استهجان ضد النشيد الوطني الإنجليزي، بل زادت الجماهير بالغناء “فليحفظ الله فريقنا” بدلًا من الجملة الشهيرة في النشيد “فليحفظ الله الملك”.
خطط تاتشر في الثمانينيات
لا يشعر سكان ليفربول بأنهم جزء من إنجلترا ولا يدينون بالولاء للملك، حيث عانوا من التهميش في القرن الماضي ووصلت معدلات البطالة إلى 50% مع ظروف معيشية واقتصادية صعبة.
في 1981، اندلعت أعمال شغب كبيرة في المدينة على خلفية خطة رئيسة الوزراء المعاد انتخابها مارغريت تاتشر، التي أسقطت المدينة تمامًا من حساباتها الإصلاحية، مقارنة بلندن ومانشستر، ما أسهم في تجويع المدينة.
لقد عملت سياسات حكومة المحافظين الجدد بقيادة تاتشر على زيادة الوضع سوءًا في ليفربول، ما تسبب في قيام أعمال شغب عُرفت باسم (Toxteth) استمرت لمدة 9 أيام بين المحتجين والشرطة.
حادثة هلزبره أججت العداء
في أبريل/ نيسان 1989 وقعت حادثة أليمة أودت بحياة 97 مشجع لليفربول نتيجة التدافع في مدرجات ملعب (هلزبره) قبل انطلاق مباراة نصف نهائي كأس الاتحاد الإنجليزي بين الريدز ونوتنغهام فورست.
لقد سكبت حادثة هلزبره المزيد من الزيت على النار، حيث اتهمت الحكومة الإنجليزية جماهير الريدز بافتعال الأزمة وحمّلتهم المسؤولية كاملة، ومن جهة أخرى برأت أمن الملعب وشرطة مدينة شيفيلد.
على مدار عقود، كافح أهالي الضحايا قانونيًا ورفعوا عشرات الدعاوى القضائية ضد الحكومة الإنجليزية لإثبات أن الحادثة نتجت من تقصير رجال الأمن الذين تركوا الجماهير يتدافعون ويُحشَرون في مساحات ضيقة.
في 1990، قضت محكمة إنجليزية بأن الحادثة وقعت نتيجة إهمال الأمن، وصدرت أحكام مماثلة في 2012 و2016 و2019، ومع ذلك لم تتم إدانة أي مسؤول رسمي في القضية، بل على العكس تمت تبرئة كل المسؤولين وفي مقدمتهم مدير الأمن في الملعب، الضابط ديفيد دوكينفيلد.
سكاوزيون وليسوا إنجليز
إن كنت من متابعي مباريات ليفربول، فحتما ستلاحظ لوحة كبيرة في مدرجات ملعب أنفيلد مكتوب عليها (نحن سكاوزيون ولسنا إنجليزًا) في إشارة إلى اللهجة السكاوزية التي تميز سكان المدينة.
يعود شعور الاغتراب الدفين الذي ينتاب سكان الليفر إلى أربعينيات القرن التاسع عشر، حينما استقبلت المدينة مئات المهاجرين الأيرلنديين نتيجة مجاعة البطاطس التي عصفت بأيرلندا.
هناك شعور قوي لدى الساسة الإنجليز بأن التركيبة السكانية لليفربول ليست إنجليزية خالصة، بسبب الاختلاط الديموغرافي مع الأيرلنديين، وهم ألد أعداء التاج الملكي البريطاني على مر التاريخ.
عزف النشيد في ملعب ليفربول
في 2023، أوصت رابطة الدوري الإنجليزي الأندية بضرورة عزف النشيد الوطني بمناسبة تتويج الملك تشارلز على عرش بريطانيا خلفًا للملكة إليزابيث، وقد أذعن ليفربول وعزف النشيد في ملعب (أنفيلد) قبل مباراته ضد برينتفورد.
كانت لحظة تاريخية ونادرة أن يُعزف النشيد في عقر دار ليفربول، غير أن مشجعي الفريق أرادوا أن تُخلد اللحظة على طريقتهم هم، حيث أطلقوا صافرات استهجان شديدة إلى درجة أنه لم يعد بإمكان الموجودين في الملعب سماع النشيد.
إن العلاقة بين سكان ليفربول والسلطات الإنجليزية ربما تكون أشبه بحالة إقليم كتالونيا وناديه الخالد برشلونة في نظرتهم السوداء للتاج الملكي الإسباني، ورغبتهم المعلنة المستمرة في الانفصال بحكم ذاتي.