ريال مدريد ومنتخب إسبانيا.. قصة معاناة عمرها 112 عامًا

لم يكن راؤول أسينسيو مدافع نادي ريال مدريد يتوقع عند دخوله كبديل اضطراري لإيدير ميليتاو شهر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي أمام أوساسونا، أن يُصبح بعد 5 أشهر لاعبا دوليا وواحدا من أبرز المدافعين في العالم، فبعد يوم واحد من اختياره في التشكيلة المثالية لإياب ثمن نهائي دوري أبطال أوروبا بعد مباراته الكبيرة أمام الأتلتيكو، استيقظ مدافع “الميرنغي” على استدعاء مستحق، في انتظار أول مشاركة رسمية بقميص “لا روخا”.
وتحدث لويس دي لا فوينتي مدرب المنتخب الإسباني عن استدعاء أسينسيو فأكد أن مرد ذلك يعود إلى حضوره القوي بدنيا وذهنيا في المباريات المعقدة لناديه، وقال: “أسينسيو كان مع منتخب أقل من 21 عامًا وأردت منحه فرصة بعد ما قدمه رفقة ناديه، لقد أظهر مستويات كبيرة في مباريات كانت على مستوى عال بدنيا وذهنيا”.
تاريخيا، كانت إسبانيا متأخرة جدا في إنشاء منتخب وطني لكرة القدم مقارنة بمختلف الدول الأوروبية، حيث أن أول مباراة رسمية لها لعبت يوم 28 أغسطس/آب 1920 أمام الدنمارك في دوري الألعاب الأولمبية بمدينة “أنتويرب” البلجيكية، الأمر الذي يرفضه الكثير من الإسبان، معتبرين أن أول مواجهة دولية كانت يوم 25 مايو/أيار 1913 أمام فرنسا.
وكان خوان مونجاردين اللاعب الغاليسي الشهير، وأحد أبرز نجوم ريال مدريد خلال سنوات العشرينات، قد كتب في عمود على صحيفة (El Orzán) سنة 1924، أكد فيه أن المباراة الشهيرة أمام الدنمارك ليست الأولى لإسبانيا وقال: “يعتقد العديد من المشجعين أن أول مباراة رسمية شارك فيها فريق إسباني كانت تلك التي أقيمت في بروكسل، بين الدنمارك وإسبانيا، هذا بعيد جدا عن الحقيقة”.
ورغم أن نادي مدريد لكرة القدم كان قويا جدا في الشق الإداري، إلا أن بدايات المنتخب الإسباني شهدت غيابا تاما لهذا النادي، وذلك في ظل قوة الأندية الباسكية ونادي برشلونة، ناهيك عن الانشقاق الكبير الذي حدث في إسبانيا بتأسيس ريال مدريد وأتلتيك بيلباو للاتحاد الإسباني لأندية كرة القدم كنظير للاتحاد الرسمي المعروف باسم “الفدرالية الإسبانية لأندية كرة القدم” والذي كان يضم أندية بارزة وقتها مثل برشلونة وإسبانيول وسوسيداد خيمناستيكا وإيرون سبورتينغ.
ولم يحظ الإسبان باعتراف الاتحاد الدولي لكرة القدم، ما جعل مباراتهم الأولى أمام فرنسا في مايو 1913 غير معترف بها، قبل لم شمل الاتحادين وتأسيس الاتحاد الملكي الإسباني لكرة القدم وبرئاسة شرفية للملك ألفونسو الثالث عشر، لتتم الموافقة في مايو 1920 على إنشاء منتخب إسباني رسمي.
ريال مدريد وقميص “لا روخا”.. قصة معاناة قديمة
سواء تعلق الأمر بتشكيلة إسبانيا في أول لقاء غير رسمي سنة 1913، أو حتى في أول لقاء رسمي سنة 1920، لم يكن لنادي ريال مدريد أي حضور، حيث سيطر الباسكيون وبدرجة أقل الكتلان والغاليسيين على التشكيلة، فيما استبعد المنتمون لأندية أخرى في صورة سانتياغو بيرنابيو نجم نادي ريال مدريد آنذاك.
واحتفظ “النادي الأبيض” باستيائه الخفي من سيطرة القوميات الأخرى في إسبانيا على مجال كرة القدم، معتمدة بذلك على “برجوازيتها” وقدرتها على تشكيل فرق قوية، ويتعلق الأمر تحديدا بالأندية الباسكية ونادي برشلونة، إلا أن سانتياغو بيرنابيو الذي لم يحصل على فرصة اللعب لمنتخب بلاده، حاول تدعيم تشكيلته لاحقا بنجوم في ريال مدريد وعلى رأسهم الأرجنتيني ألفريدو دي ستيفانو والمجري فيرنيك بوشكاش.
ورغم أن دي ستيفانو قدم مسيرة دولية أفضل مع إسبانيا، إلا أنه واجه اتهامات كثيرة حول عدم اهتمامه بهذا المنتخب وأنه لم يشعر بأي انتماء له، أما المجري بوشكاش فاكتفى بـ4 مباريات فقط مع “لا روخا” بعد مسيرة حافلة رفقة المجر، وبسبب قصص مماثلة كان أهل الباسك والكتلان ينظرون إلى لاعبي ريال مدريد بأنهم استغلاليون وأن وجودهم في المنتخب هو بمثابة “إجازة” للتباهي بعد تحقيق الإنجازات مع النادي الملكي على الصعيد الأوروبي.
واستمر هذا المعتقد لدى أنصار كل الفرق الإسبانية ضد لاعبي ريال مدريد إلى غاية حقبة الخماسي الشهير المعروف بـ(La Quinta del Buitre) تحت قيادة إميليو بوتراغينيو، حيث رأى الإسبان لاعبا مدريديا بالقميص الأحمر وهو يعبث بالمنتخب الدنماركي في مونديال 1986 مسجلا رباعية كاملة وبروح وطنية عالية جدا، لدرجة أن دييغو مارادونا أسطورة الأرجنتين أظهر سعادته بإقصاء “لا روخا” أمام بلجيكا وقال: “نحن في النهائي، لن نلعب ضد بوتراغينيو”.
الإقصاء من مونديال 1986 ترك وراءه جرحا كبيرا، وكان كل شيء يتجه نحو الكارثة في المنتخب الإسباني، إذ كانت هناك انقسامات كبيرة بين نجوم برشلونة الذين كانوا تحت قيادة يوهان كرويف ونظرائهم في ريال مدريد مدريد المعروفين بـ”خماسي النسر” وأبرزهم ميشيل، ليتغير كل شيء بعد قدوم كليمنتي سنة 1992 بإبعاد الركائز وبناء منتخب جديد على أمل إنهاء التوتر داخليا وتقديم منتخب ناجح خارجيا.
لم تكن محاولة التنظيف ناجحة، ولكن الدور المدريدي تزايد في المنتخب الإسباني بحلول القرن الـ21، حيث لعب كل من كاسياس وهيلغيرا وهييرو وراؤول ومورينتس دورا مهما في المنتخب الذي شارك في مونديال 2002، وبعد فشل ذريع في يورو 2004، رفع الإسبان آمالا كبيرة في مونديال 2006، وبحضور مدريدي تمثل في كاسياس وراؤول وسالغادو وراموس، غير أن أحلام الإسبان انكسرت على يد مدريدي آخر في فرنسا، ويتعلق الأمر بالأسطورة زين الدين زيدان.
رياح التغيير الحقيقية في المنتخب الإسباني، كانت بحلول يورو 2008، فكان تمثيل ريال مدريد قويا مع الثلاثي الأساسي كاسياس وراموس وألونسو وحتى أربيلوا الذي سيطر لاحقا على مركز الظهير الأيمن، لكنه لم يكن الأكثر جاذبية مقارنة مع جيل برشلونة الذي قدم طريقة لعب مثيرة، أسهمت في نيل “لا روخا” للقبي اليورو سنتي 2008 و2012، بالإضافة إلى مونديال 2010.
ووسط هذه النجاحات، تواصل الصراع بين الأقاليم بتأكيد كتالوني أن مجد إسبانيا صنعه الكتلان، وإصرار مدريدي على أن لقب كأس العالم مثلا جاء بتصديات ابنهم كاسياس قبل هدف إنييستا، وأن حضور ثلاثي مدريدي في التشكيلة الأساسية هو أمر كاف للتأكيد على إسهام ريال مدريد في هذا الإنجاز التاريخي.
وعاد النقاش بشكل كبير في يورو 2024، ليشير إلى دور بسيط من ريال مدريد في تتويج إسبانيا، وذلك بتواجد قوي للاعب واحد من أصل ثلاثة “مدريديستا” ويتعلق الأمر بالظهير الأيمن داني كارفاخال، غير أن الحضور الكتالوني القوي اقتصر بدوره على يامال وبدرجة أقل بيدري، فيما كان الباسكيون حاضرون بقوة في تلك النسخة ولا سيما من خلال ابنهم نيكو ويليامز، ناهيك عن لاعبين آخرين من أندية أوروبية مختلفة، على غرار رودري نجم السيتي وفابيان رويز لاعب باريس سان جرمان وداني أولمو لاعب لايبزيغ.
ولولا راؤول أسينسيو، لكان وجود ريال مدريد منعدما في تشكيلة دي لافوينتي اليوم، وهو المدافع الذي يأمل “المدريديستا” أن يحظى بفرصته كاملة للمضي قدما نحو مسيرة كبيرة كتلك التي حققها راموس، إذ ورغم معاناة الكثير من لاعبي الريال على مر التاريخ في المنتخب، غير أن راموس يبقى صاحب أكبر عدد من المشاركات في تاريخ “لا روخا” برصيد 180 مباراة، متفوقا على المدريدي الآخر إيكر كاسياس الذي يملك 167 مباراة، فيما يملك نجم وسط البارسا سيرخيو بوسكيتس 143 مباراة، بفارق 10 مباريات عن زميله تشافي هيرنانديز.